كلمات لتقرأ بالعقل والقلب معا…
إنها السادسة مساء، حمل قهوته وأوراقه وقلمه، ووضعهما على طاولة مكتبه المتواضع. بضع دقائق حتى لامست أصابعه لوحة المفاتيح، وبدأ ينثر الكلمات ويضبط إيقاع السيمفونية، وفق نوتة يحفظها عن ظهر قلب.
عصفت الظروف بمهنته، ولم يلتفت لها يوماً، كان يحمل هم الكلمة، ويضبط إيقاعها ويحاول بشتى الطرق أن يلفت الأنظار لها، لم ينتظر قشور المهنة ولا تنظيماتها الإدارية ولا حتى أدواتها كان يتكئ على قلب قوي وعقل يلهث وراء الإبداع… الابداع الذي لا يموت وإن فقد القلب!.
حينما حل يناير الماضي، كان يشعر بشتاء مختلف، غريب الأطوار وكأن طقس العالم كله اجتمع فوق رأسه، يلف الهواء البارد جسده وهو يخرج متأخراً من بيته الكبير ومتنفسه، يخرج ورائحة الكلمات تتبعه، يطرب لسماع صوت المطبعة بجانبه وهي تحفر حروفه على الورق، ويشعر بفرحة المهنة، الدقائق التي تعادل كل فرح الدنيا. يبطئ الخطوات ويرهف السمع ويشم رائحة الحبر، أي رائحة ازكى من هذه الرائحة في منتصف الليل، لا أحد يستطيع أن يصل للنشوة التي يشعر بها وكأنه في دقائق استطاع أن يملك العالم!.
إنها السادسة وخمسة عشرة دقيقة مساء، أعتاد على قهوته وأوراقه وقلمه، وضعهما على مكتبه وأدار لوحة المفاتيح وهو يشم رائحة موت خفي يقترب منه، وبات يلامس أطرافه ويدق جسده. الصحافي القوي لا يلتفت إلى الخلف، ولا تحركه رياح عابرة.. هكذا كان يقول حينما يسمع خبرا لا يسر حول مهنته، لم يخلق الله ليلاً طويلاً ولا تعب مستمر، ربما أنه كان محقا في كلماته الأخيرة لأن الرياح هذه المرة كانت قوية ومفاجئة عصفت بما تبقى منه وسكبت قهوته على أوراقه وصحيفته وكسرت قلمه وأعلنت توقف قلب الصحافي بـ”قرار إداري”!.
إذا أردت ان تقتل صحافي أوقفه عن عمله، أكتم كلماته، وأحرم يديه من الكتابة، وكبله بالقيود الإدارية، وأجعله أسيراً للوظيفة لا المهنة.. لم تكن يوما الصحافة حضورا وانصرافا لم تكن مكتبا ولا كمبيوترا ولا حتى مجرد ورقة وقلم كلها أدوات يعزف بها قلب الصحافي قبل عقله… الصحافة مهنة الشرفاء الأقوياء الذين يحملون هم الناس قبل همومهم ويناضلون من أجلهم ليصل صوتهم.
شكراً لكل صحافي صامد في وجه الظروف، لا تقلق على مهنتك، ستكون قوية بك، بسواعد الشرفاء مثلك ممن يحافظون على مهنتهم ويدافعون بها عن وطنهم ويرفعون شأن مجتمعهم، ولا عزاء للقافزين عليها من النوافذ فيوما ما ستلفظكم!.
أضف تعليق