التاسعة مساءً!

لم أعد أنتظر اتصالاً في هذا الوقت. لا تعني لي الدقائق شيئاً، إن كانت بالفعل تشير إلى التاسعة مساءً أو غيرها!. تناولت قهوتي «المُرّة» وقررت أن أقف أمام بابك الكبير لأتأكد أن الوقت لم يعد في دائرة اهتمامي. وقفت أمام الباب البعيد الذي تعودت أن أطرقه في الليالي الأخيرة من يوليو الماضي (2015). هكذا وقفت كطفل تائه، يبحث عمن يرشده إلى المنزل. لم أشعر بليلة يناير الباردة، الهواء الذي هربت منه قبل أسابيع إحساساً بالبرد، لا أشعر به الآن. هل لأنني لم أعد أشعر؟، هل فقدت الإحساس فجأة!.
على الرصيف المحاذي، قررت أن أخلد ذكرى التاسعة مساءً. حينما كانت تشير إلى هذا الوقت كنت أنا على الموعد، أتعلم معنى الوقت ودقته، وأنظر إلى أن هذه الدقائق ثمينة. قبل الموعد بخمس دقائق يأتي الاتصال، ارتبك للحظات، أنظر إلى الساعة خشية أن يفوتني الوقت، كنت حينها لا أبالي بهذه التفاصيل، لكنني بالتأكيد كنت أتعلم قيمة الدقيقة، حينما تصبح الساعة التاسعة ودقيقة واحدة!.
نظرت إلى السماء، لم أكن حينها أدرك ما أفعل، كأنني فقدت شيئاً وأبحث عنه، هل اختل يومي وانهارت أولوياتي حينما غاب!، أم أحاول ترتيب الأمور بعد هذا الفقد، لم أصل إلى فكرة واضحة تقودني إلى الطريق الصحيح، ما الذي أريده فعلاً هل الأيام هي ذاتها التي كانت قبل الرحيل؟!، وماذا يعني أن تفقد شخصاً كنت يوماً على موعدٍ معه، وكانت حينها الساعة تشير إلى التاسعة مساءً؟!.
لم يكن أواخر يوليو الماضي عادياً، رغم حرارة الأجواء إلا أنها أياماً مفعمة بالتفاصيل والعمل، حينها كنت اتصل بك كثيراً وكنت كذلك. في تلك الليالي أدرك جيداً معنى التاسعة مساءً تسألني هل تشاركني العشاء؟، أو قهوة تسلينا ونحن نتحدث عن شؤون الحياة. لم أنتظر هذا السؤال، بل بادرت إلى ذلك، كانت التفاصيل جميلة، لم أتخيل يوماً أن يناير شهر الشتاء سيكون بارداً جداً في غيابك، وسأفقد فيه إحساسي بقيمة الوقت.
توفي «دحيم بن مرزوق العضياني» -رحمه الله- وحينها لم يكن عام 2015 قد أعلن الرحيل. رحل هذا العام وأخذ معه في آخر أيامه روحاً كانت غالية. رجلاً كريماً شهماً لم يعرف يوماً سوى الحب والكرم، حكيماً نقي القلب يحيط من حوله بالحب، ويسعى للخير، ويعمل من أجله ويحث عليه. تعلمت منه دبلوماسية التعامل وحسن الخلق. كان يبتسم كثيراً، ويفرح بالآخرين. لا يغلق باب مجلسه، ولا تمل من قهوته وأحاديثه، يملك كثيراً من حكايات الكرم والشجاعة والحكمة.
كانت نظرة عينيه الأخيرة لي تحمل في طياتها حديثاً مهماً، تأملني وتأملته، كنت فقط أريد أن أقول له أنك كما ائتمنتني، لن أترك أمانتك.
وضعت في القبر –رحمك الله- ووضعت معك ساعتي وتفاصيل التاسعة مساءً… لم أعد أبالي بالوقت!.

أضف تعليق