تخيل أن كل شيء يجري في الكون بصمت، يتبدل الليل والنهار، تجري الكواكب في فضاء رحب بلا صوت، يتغير كل شيء وتمضي الأيام بهدوء، ماذا يعلمنا ذلك؟، أن قيمة الصمت كبيرة حتى تكون مؤثراً فيك أن تتقن الصمت، وخصوصاً «الصمت الحكيم» الذي ينأى بك إلى فضاء خالٍ ترفع فيه نفسك عن «لغو الحديث».
اقترب قليلاً من تفاصيل بعض المجالس، تذهب ساعات في جدل عقيم، يحاول كل طرف الانتصار في معركة خاسرة، حينها لا قيمة ولا علم، تنتاب المتجادلين نزعة التغلب على الآخر، وإثبات خطئه، وهم يخوضون في بحر من الجهل ثم ينفضون بلا فائدة، ومخلفات ذلك نفوس شحنت سلباً وازدادت غيظاً.
حينما تدلهم الأمور، امتلك الذات، والتزم الصمت، في تلك اللحظة ستكون أكثر قوة وقدرة على تقويم الوضع أمامك، سترى التفاصيل وكأنك تنظر إليها من برج مراقبة، تنتصر دائما بسلاح الصمت وتكسب الحكمة والرؤية بلا خسائر.
وحينما تتعرض لحديث غير جيد أو جارح، لا تغضب، ولا تبادل من أمامك الحديث ذاته، بل اترك للسكون فرصة، واذهب بصمتك بعيداً، وافتح صدرك لرحابة الكون وتأمل هذا الهواء النقي الذي تمتلئ به رئتيك وتشعر بعافيته، وأذهب بعقلك نحو الآية الكريمة (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) كم من خير يأتي من السماء في تلك اللحظة، السكينة تنتصر، والتجاهل يهديك الهدوء النفسي والعقلي، حينها أنت من يملك ذاته، ومن يحسن التصرف مع نفسه.
حياة الناس أضحت منهكة، وحينما تحاصر أحدهم الضغوط يفقد بعض قدرته في التحكم في الذات، فيبدو له الصمت في بعض المواقف انهزاما، ويذهب بنفسه بعيداً من دون إدراك، ويتوغل في دهاليز الجدل والصوت المرتفع ولا يخرج إلى نتيجة ترضية، سوى نفس مشحونة وعقل تضخم سلبية وجسد منهك تعباً وألماً.
حينما يتملكنا الصمت في بعض المواقف نحافظ على أجسادنا أولاً، وعقولنا، ونصنع لأنفسنا قيمة عالية في لحظات الجدل، فهو يولد الاحترام، ويفتح لك حيزاً خالياً وطاقة فعالة لتفكر بعمق فيما يحصل حولك حينها تستطيع التركيز في إجاباتك.
لا يعني الصمت أن نظل مطبقين بلا صوت، لكن نختار الوقت المناسب الذي نتحدث فيه أو نلتزم الهدوء، إذا بدت لنا بوادر حديث لا منفعة منه، ربما يفضي بنا إلى الجدل، وبدلاً من حل مشكلة تتراكم مشكلات، ونعمق ذلك ليتحول الأمر إلى انتصار نفسي فقط. ما يعنينا من ذلك هو أن نحقق الهدوء النفسي في الأزمات، نمتلك ذواتنا في المواقف الصعبة، ونفكر أولاً فيما نقول ومتى، وحينما يستدعينا الآخرون للخوض في تفاصيل لا تعود بالفائدة علينا.
لا تذهب بعيداً في نقاش يرتفع فيه الصوت، وتكثر فيه المقاطعة، فهناك فرق شاسع بين حوار نطلب من ورائه حقا أو علما، وبين جدال أشبه بمعركة انتصار مؤقتة، وتذكر أن الصمت في كثير من شؤون حياتنا «حكمة».
فهد القثامي
أضف تعليق