أبطئ الإيقاع

من منا تأمل قطرة الندى، كيف تنساب على ورقة شجر، وتسقط على أخرى أو تهوي إلى الأرض؟.
هذه الحركة الجزئية التي تستغرق ثوان لو تخيلنا حركتها البطيئة كيف تصبح رحلة ممتعة. هكذا هي الحياة، إيقاعها السريع وعدم إدراكنا يحرمنا متعتها وتأمل لحظاتها، تمر علينا كثير من التفاصيل فنحرم أنفسنا الاستمتاع بها بسبب سوء تعاطينا مع اللحظة، نسارع إلى توثيقها من دون أن نعيشها، نهتم كثيراً لعدسات هواتفنا وإلى «أستوديو الصور»، وإلى كل ما يُشغلنا، لكن اللحظة ذاتها محرومون منها، ثم نتذمر من تراكمات الحياة السلبية، ونعيش في دوامة لا تنتهي.
تأمل إيقاع حياتك، كل جزء منها ممتع، بمثابة موسيقى لكننا نتجاهلها، هل جربت أن تستمتع بكوب قهوة وتتأمل مذاقها؟ أم سرقك من هذه اللحظة رسالة هاتف أو مكالمة عمل غير مناسبة أو حوار غير مجد على موقع تواصل اجتماعي.
وسائل التواصل الاجتماعي وعدسات الهواتف سبب رئيس في حرماننا من اللحظات السعيدة. تأمل أيامك التي تمر بها أشياء جميلة بينما عقلك وقلبك معلق في هاتفك، هذه اللحظة هي التي نشكو غيابها أو عدم الاستمتاع بها، هي في الحقيقة موجودة وممتعة جداً لكننا لم نحسن التصرف حيالها.
حياتنا الاجتماعية مملوءة بكثير من المواقف القادرة على إذابة الترسبات السلبية للزحام والبيئة والمشكلات وضغط العمل، حينما تكون مع عائلتك أو أصدقائك من دون أن تنظر إلى هاتفك فذلك إنجاز كبير، واصل الاستمتاع باللحظة، أجعلها بطيئة في ذهنك، استمتع بكل حديث تقوله أو تسمعه، شاهد تعابير وجوه من حولك، ابتسم واضحك من قلبك، تفاعل واترك كل شيء آخر خلف ظهرك، لا تلتفت إلى أي فكره تحثك على فتح الهاتف أو قراءة رسالة، ولا تحرص على توثيق اللحظات، فعدسة الهاتف تسرق لحظتك وتأسرك لاحقاً في شاشتها.
معظم الناس غائبون عن حياتهم الحقيقية، منهمكون في شاشات صغيرة لم يعد يشعرون بشيء سوى «إشعارات» جهازهم الصغير، ومعها أصبحت حياتهم متوترة وغير طبيعية، يبدأ يومه بتفقد الهاتف، ويظل طوال الوقت يتصفح، ويشاهد، ويعلق، ويتعرض لكثير من المحتوى، وقبل أن ينام يأخذ جولة سريعة ثم يضع هاتفه وربما يعود له بعد دقائق ليتفقد إشعارا جديدا، وهو سيناريو يومي منهك للعقل والجسد، يذهب النوم ويجعل العقل شاردا عن واقعه، ويوقع الإنسان في إرهاق غير منطقي لمجرد عالم افتراضي يمكننا أن نأخذ منه ما نحتاج إليه ونبتعد عنه.
الحل، أن نبطئ إيقاع حياتنا، ونُنحيَّ التقنية جانباً، ونستمتع بكل مهمة ورحلة حتى الأشياء التي ننظر إلى أنها بسيطة لها قيمة كبيرة إن تأملناها جيداً وأبطأنا الإيقاع، أنظر حولك، يكفيك استمتاعاً أن تتأمل كل شيء كأنك تراه للمرة الأولى، هل جربنا ذلك يوماً، وعشنا التفاصيل التي ندعي أنها سريعة؟.
فهد القثامي

أضف تعليق