والدي.. الصبر والأمل

قبلت يوماً يدك، حينما أمسكتها يا أبي لم تكن تستطيع إحكام السيطرة عليها. كانت متعبة أنهكها الزمن والمرض. كنت تمدها لي وكأنك تقول هذا الزمن يابُني، اليد التي حملتك يوماً، واعتنت بك لم تعد كما كانت. أما أنا فيعتصرني ألم لأنك يوماً كنت قصة ملهمة لي في الصبر والعمل.
في يوم من الأيام يا والدي، وجدت نفسك وحيداً، بلا أب، فبدأت قصة كفاح طويلة بدأت برعايتك إخوتك ووالدتك ثم زوجتك وأبنائك، تحملت مالم يتحمله أحد رغم صغر سنك وعظم المسؤولية. كنت عوناً للقريب والبعيد. ورغم كل ذلك لم تأسف على من غيره الزمن، وابتسمت لكل التفاصيل.
تعلمت منك مبادئ التعامل مع الحياة، أولها ألا تيأس، فالفشل المتكرر يأتي بعده النجاح، كنت أرى ذلك في معتركك مع الحياة، يصحب ذلك دائماً صمتك وتجاهلك لما قد يفسد علاقتك بمن حولك. كنت توقر الآخرين وتمنحهم أفضل مما يستحقون، تصل القريب والبعيد، وتستمتع بصلة الرحم، وقبل هذا كله علمتني أهم الأمور وأفضلها أن أنير دربي بالصلاة.
ورغم المرض، إلا أنك أبيت إلا أن تعلمني قيمة الصبر، وكيف يصبر المؤمن على البلاء، كيف يمتنع عن التذمر للآخرين، ويطلق لنفسه العنان ليستذكر الأشياء الجميلة ويبتسم، ولا يترك مجالاً لشعرة حزن أن تتسلل. يأتيك الآخرون وقد أرهقك الجلوس الطويل، ويخرجون فرحين من حديثك. تحب دائماً الحديث فيما يحبه الآخرين ممن يشاركونك الاهتمامات ذاتها.
في يومك لا يخلوا من موعد الجلوس العائلي. كنت تقول من دون حديث، العائلة أولاً قبل كل شيء. أن أرى الجميع حولي أهم من أي عمل آخر، لذلك أعتدنا على سماع قصصك القديمة مساءً. كنت تبث بين القصص رسائل محورها الصبر، كلما صبر الإنسان ظفر. وأن زماننا هذا مليء بالترف فلا يأخذنا بعيداً.
ترفع دائماً شعار «الاعتماد على الذات». حينما كنت صغيراً كنت تطلب مني حفظ طريق العودة من المدرسة إلى المنزل، وأن أعتمد على نفسي في العودة. في أيامي الدراسية الأولى كنت أراك ترقبني من بعيد، عاطفتك كأب لم تدعك تركني وحيداً أتعلم طريق عودتي إلى المنزل، لكن في الوقت ذاته كنت تريدني أن أعتمد على ذاتي، أن أكون قوياً لا أنتظر أحداً يقلني إلى المنزل.
الآن، وقد أعياك التعب، ولزمت الفراش، نعيش معك كل يوم قصة صبر كبيرة، ورغم ذلك لم تفقد الروح التي أعتدناها، فنجدك معنا في كل التفاصيل الجميلة، تشاركنا كل شيء. أجمل ما نراه منك يا والدي ابتسامة الأمل التي تقول غداً يوم جديد، ربما معه أمل شفاء.

فهد القثامي

أضف تعليق