أقلامُنا… ملاذ للبوح!

في الكتابة روح لا يدركها إلا من أعتادها. هذه الروح تتسلل من أعماقنا وتنقلها أقلامنا وتسكن في حروفنا. تعبر عما في دواخلنا عن آمالنا، قلقنا، مخاوفنا. تحمل همومنا من الصدور، وكأنها تزيل الثقل عن نفوسنا وتنهض بنا. الشعور الذي يراود الكاتب بعد أن ينهي شيئاً من بوحه لا يوصف، مزيج من النشاط والروح الجميلة، فتحديث العقل لا يعدله أي شيء، ينعكس على أجسادنا ومحيطنا وقبل ذلك على أفكارنا. الأفكار التي نضعها على الورق تستدعي غيرها فيعتاد الكاتب على الحديث الصامت، على التأمل وحوار الذات الجميل.
من يعتاد على الكتابة، لا يستطيع البوح إلا للقلم الذي اعتاد أن يحمل ما يسكن في قلبه ويضعه على الورق.
نحن نتأمل دائماً كل شيء، تذهب أفكارنا واستنتاجاتنا في كثير من الأحيان أدراج الرياح. تتداول عقولنا أكثر من 80 ألف فكرة يومياً، نادراً ما تقيد هذه الأفكار، بعضنا ينسى ما يفكر به أو ما يتأمل، بعضها فرح وبعضها حزن وأخريات بين تذهب وتعود بين الآمال والأحلام وغيرها.
الكتابة حلقة مفقودة في حياة كثير من الناس. بعضهم يتعذر بعدم القدرة، ومنهم من يجد في روتين الحياة المزدحم مبرراً لأن يكون في مكان قصي لا يجيد فيه سوى حديث الذات المثقل بالهموم. لكن في القلم والورق أو حتى في لوحة مفاتيح الكمبيوتر ملاذاً آخر لمن يجيد الحوار مع هذه الأدوات.
ينقصنا دائماً قلم وورقة لنترك سيل الأفكار ينساب، لنفتح قناة تجري من عقولنا، تتحدث عن ذاتنا، حياتنا، أو حتى تفاصيل يومنا. لا أحد لديه القدرة أن يفقد هذه المتعة بعد تجربتها فخير ما يكون بعد القراءة هي الكتابة.
اعتاد الناس أن يتحدثون إلى غيرهم عما يعانون منه، وغالباً ما تتسم هذه الأحاديث بالمثالية، وربما يغيبون بعض الحقائق أو المشاعر لدواعي معينة، لكنهم حينما يمسكون قلما للحديث عن تفاصيل مشاعرهم وآلامهم يتوقف اللسان عن الحديث المباشر ويبدأ حديث القلب الصادق الذي ينساب مترنماً عبر كلمات دافئة تعبر عن أحساس لافت لم يتدخل في توجيهه أحد ولم يتعرض للمقاطعة فكان أكثر وضوحاً وأريحية لمن يكتب أو لمن يقرأ ذلك الإحساس. وحتى لو لم يوجد لذلك قارئ فالورق الذي تدون عليه الأفكار هو أفضل قارئ لأنه يتقبل الأفكار بلا جدل، يحتضن ما يجول في الخاطر برحابة لا يمل ولا يتعذر.
من يملك ثقافة الكتابة يملك كنزاً لا يستطيع أن يستغني عنه. لم تحتكر الكتابة للمثقفين ولا لغيرهم، فهي شأن عام لمن يجيدها فكلما كتبت أكثر كنت ناضجاً فأحاديث الذات والأفكار الجيدة تحتاج فقط إلى قلم ولشخص يجيد إدارتها فلا يتركها تذهب بعيداً دون تقييد، فالإنتاج الثقافي الغزير الموجود حالياً هو نتاج أفكار مرت بخاطر كاتبها يوماً.

فهد القثامي

أضف تعليق