عندما كنا ندرس في التعليم العام، نعاني من فوبيا «المدير»، لأنه كان يمثل السلطة الأعلى في المدرسة، ولا نود رؤيته في بعض الأحيان، خصوصاً عندما نقع في مشكلة مثل التأخر عن الطابور الصباحي مثلاً، فهو بالنسبة لنا أمر مرعب ورؤيته تدل على وجود «عنف» قادم سواء لفظي أو جسدي.
في المرحلة الجامعية، انتقلت معنا فوبيا «المدير» لكن بوتيرة أهدأ، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي كان يبذلها عميد الكلية لـ«الحوار» معنا، كنا نعاني في التعاطي معه، وصورة «المدير» المزعج ما تزال عالقة في أذهاننا، ونعتقد أن كل «مدير» في أي مكان أو زمان هو مثل «مدير المدرسة». تنامت هذه الفكرة وتشعبت معنا وبقيت أثارها لاحقاً وقليل من الزملاء من تخلص منها، بعدما رأوا أن الواقع مختلف تماماً عن الصورة الذهنية تجاه هذا المنصب.
«المدير» وظيفة عادية جداً، لمن يحسنون التفكير تجاه هذا المنصب، فهي وظيفة كسائر الوظائف الاختلاف بين الموظف والمدير أن الأخير يخطط ويتابع ويشرف، وفي حال غيابه لا يتأثر العمل، ولا يتوقف عليه، بينما الموظف لا يستطيع أحياناً أن ينال إجازة في الوقت الذي يريد نظراً إلى أن العمل يتوقف عليه وغيابه مؤثر ويبعثر أوراق المدير.
عندما نقول «مدير» فإن قليل من شاغلي هذا المنصب الذي يعتقدونه مهم يصابون بالغرور، ويصيبهم مرض «انتفاخ الرأس» وعدم القدرة على الالتفات، أو السير وحيداً، ويتثاقلون رفع الأيدي للسلام، هم يرون أنفسهم في قالب معين، بينما الناس يضحكون على هذه الحالة التي تصيب بعضهم عندما يُصدم بتحوله من «موظف» إلى «مدير» أو شخص مسؤول، وخلاصة الأمر أن كل محاولات التثاقل التي تصيب هؤلاء لا يمكنها في الوقت الحالي أن تصنع هيبة أو تزرع رهبة، فهذا الزمن لم يعد يعترف فيه إلا بالانجاز لا بالمنصب أو الاسم، ولذلك من لا يحسن إدارة المكان الذي يتولى مسؤوليته فليذهب لمكان آخر ولا يبتلي الناس بنفسه، وعلى كل موظف يرى قصوراً في إدارته أن يتحرر من الهيبة المزيفة للمدير ويطالب وينتفض. نحن في زمن البقاء لمن يعمل فقط.
فهد القثامي
أضف تعليق